الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***
فوائد: الْأُولَى قَوْلُهُ وَمِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ من ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ من الْجُحْفَةِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتُ عِرْقٍ. اعْلَمْ أَنَّ بين ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ أو تِسْعَةٌ وهو أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ وَقِيلَ أَكْثَرُ من سَبْعِينَ فَرْسَخًا وَقِيلَ مِائَتَا مِيلٍ إلَّا مِيلَيْنِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مِيلٌ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال الزَّرْكَشِيُّ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أو سَبْعَةٌ وَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ كَبِيرٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَرَأَيْت من وَهَّمَ قَوْلَ من قال إنَّ بَيْنَهُمَا مِيلًا. وَيَلِيهِ في الْبُعْدِ الْجُحْفَةُ وَهِيَ على ثَلَاثِ مَرَاحِلَ من مَكَّةَ وَقِيلَ خَمْسُ مَرَاحِلَ أو سِتَّةٌ وَوَهَمَ من قال ثَلَاثٌ وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ لَيْلَتَانِ وَقِيلَ أَقْرَبُهَا ذَاتُ عِرْقٍ حَكَاهُ في الرِّعَايَةِ. وقال الزَّرْكَشِيُّ قَرْنٌ عن مَكَّةَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ويلملم لَيْلَتَانِ. وَرَأَيْت في شَرْحِ الْحَافِظِ بن حَجَرٍ أَنَّ بين يَلَمْلَمُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَيْنِ ثَلَاثُونَ مِيلًا وَبَيْنَ ذَاتِ عِرْقٍ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ وَالْمَسَافَةُ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا. فَقَرْنٌ لِأَهْلِ نَجْدٍ وَهِيَ نجد الْيَمَنُ وَنَجْدُ الْحِجَازُ وَالطَّائِفُ وَذَاتُ عِرْقٍ لِلْمَشْرِقِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ. الثَّانِيَةُ هذه الْمَوَاقِيتُ كُلُّهَا ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَأَوْمَأَ أَحْمَدُ أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ قال في الْفُرُوعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَفِيَ النَّصُّ فَوَافَقَهُ فإنه مُوَافِقٌ لِلصَّوَابِ قال الْمُصَنِّفُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَمَنْ سَأَلَهُ لم. يَعْلَمُوا بِتَوْقِيتِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ذَاتَ عِرْقٍ فقال ذلك بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ كان مُوَفَّقًا لِلصَّوَابِ انْتَهَى. قُلْت يَتَعَيَّنُ ذلك وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ من هَؤُلَاءِ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُوَقِّتَ لهم. الثَّالِثَةُ الْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ من أَوَّلِ جُزْءٍ من الْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ من آخِرِهِ جَازَ ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ عليها من غَيْرِهِمْ. وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَلَوْ مَرَّ أَهْلُ الشَّامِ وَغَيْرُهُمْ على ذِي الْحُلَيْفَةِ أو من غَيْرِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ على غَيْرِهِ لم يَكُنْ لهم مُجَاوَزَتُهُ إلَّا مُحْرِمِينَ نَصَّ عليه وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى الْجُحْفَةِ إذَا كان من أَهْلِ الشَّامِ وَجَعَلَهُ في الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا من عِنْدِهِ وَقَوَّاهُ وَمَالَ إلَيْهِ وهو مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمَالِكٍ. قَوْلُهُ وَمَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ من مَوْضِعِهِ. بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو كان له مَنْزِلَانِ جَازَ أَنْ يُحْرِمَ من أَقْرَبِهِمَا إلَى الْبَيْتِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِحْرَامَ من الْبَعِيدِ أَوْلَى وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ. قَوْلُهُ وَأَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَرَادُوا الْعُمْرَةَ فَمِنْ الْحِلِّ. سَوَاءٌ كان من اهلها أو من غَيْرِهِمْ وَسَوَاءٌ كان في مَكَّةَ أو في الْحَرَمِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَكُلَّمَا تَبَاعَدَ كان أَفْضَلَ. وَذَكَرَ بن أبي مُوسَى أَنَّ من كان بِمَكَّةَ من غَيْرِ أَهْلِهَا إذَا أَرَادَ عُمْرَةً وَاجِبَةً فَمِنْ الْمِيقَاتِ فَلَوْ أَحْرَمَ من دُونِهِ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ أَرَادَ نَفْلًا فَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ. وَعَنْهُ من اعْتَمَرَ في أَشْهُرِ الْحَجِّ أَطْلَقَه ابن عقيل وزاد غَيْرُ وَاحِدٍ فيها من أَهْلِ مَكَّةَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ من الْمِيقَاتِ وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِسُقُوطِ دَمِ الْمُتْعَةِ عن الْآفَاقِيِّ وَبِخُرُوجِهِ إلَى الْمِيقَاتِ. وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في صِفَةِ الْعُمْرَةِ أَنَّ الْعُمْرَةَ من التَّنْعِيمِ أَفْضَلُ وَبَعْدَهَا إذَا أَحْرَمَ من الْحَرَمِ بها وَفِعْلُ الْعُمْرَةِ في كل سَنَةٍ وَتَكْرَارُهَا. قَوْلُهُ وإذا أَرَادُوا الْحَجَّ فَمِنْ مَكَّةَ. هذا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ كان مَكِّيًّا أو غير مَكِّيٍّ إذَا كان فيها قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ لَا تَرْجِيحَ يَعْنِي أَنَّ إحْرَامَهُ من الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ في الْفَضِيلَةِ وَنَقَلَ حَرْبٌ وَيَحْرُمُ من الْمَسْجِدِ قال في الْفُرُوعِ ولم أَجِدْ عنه خِلَافَهُ ولم يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ إلَّا في الْإِيضَاحِ فإنه قال يُحْرِمُ بِهِ من الْمِيزَابِ. قُلْت وَكَذَا قال في الْمُبْهِجِ.
فائدة: يَجُوزُ لهم الْإِحْرَامُ من الْحَرَمِ وَالْحِلِّ وَلَا دَمَ عليهم على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وابن مَنْصُورٍ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ إنْ فَعَلَ ذلك فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَعَنْهُ إنْ أَحْرَمَ من الْحِلِّ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْرَامِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ بِخِلَافِ من أَحْرَمَ من الْحَرَمِ صَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالنَّاظِمِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وقال إنْ مَرَّ في الْحَرَمِ قبل مُضِيِّهِ إلَى عَرَفَةَ فَلَا دَمَ عليه وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةَ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ فِيمَنْ اعْتَمَرَ في أَشْهُرِ الْحَجِّ من أَهْلِ مَكَّةَ يُهِلُّ بِالْحَجِّ من الْمِيقَاتِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ الْمُحْرِمُ من الْمِيقَاتِ عن غَيْرِهِ إذَا قَضَى نُسُكَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ عن نَفْسِهِ وَاجِبًا أو نَفْلًا أو أَحْرَمَ عن نَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ عن غَيْرِهِ أو عن إنْسَانٍ ثُمَّ عن آخَرَ يُحْرِمُ من الْمِيقَاتِ وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ وقال في التَّرْغِيبِ لَا خِلَافَ فيه قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَشْهُورُ بِخِلَافِ ما جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وروى هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ لَكِنْ بَعْضُهُمْ تَأَوَّلَهُ. وَيَأْتِي بَعْضُ ذلك في أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ. قَوْلُهُ وَمَنْ لم يَكُنْ طَرِيقُهُ على مِيقَاتِ فإذا حَاذَى أَقْرَبَ الْمَوَاقِيتِ إلَيْهِ أَحْرَمَ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الِاحْتِيَاطُ فَإِنْ تَسَاوَيَا في الْقُرْبِ إلَيْهِ فَمِنْ أَبْعَدِهِمَا عن مَكَّةَ وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ مِيقَاتَ من خَرَجَ عن الْمَوَاقِيتِ إذَا حَاذَاهَا.
فائدة: قال في الرِّعَايَةِ وَمَنْ لم يُحَاذِ مِيقَاتًا أَحْرَمَ عن مَكَّةَ بِقَدْرِ مَرْحَلَتَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا مُتَّجَهٌ. قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ تَجَاوُزُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ. هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه سَوَاءٌ أَرَادَ نُسُكًا أو مَكَّةَ وَكَذَا لو أَرَادَ الْحَرَمَ فَقَطْ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يَجُوزُ تَجَاوُزُهُ مُطْلَقًا من غَيْرِ إحْرَامٍ إلَّا أَنْ يريد [يرد] نُسُكًا ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهَا ابن عقيل قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَظْهَرُ لِلْخَبَرِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَظَاهِرُ النَّصِّ.
تنبيه: قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ. مُرَادُهُ إذَا كان مُسْلِمًا مُكَلَّفًا حُرًّا فَلَوْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ كَافِرٌ أو عَبْدٌ أو صَبِيٌّ ثُمَّ لَزِمَهُمْ بِأَنْ أَسْلَمَ أو بَلَغَ أو عَتَقَ أَحْرَمُوا من مَوْضِعِهِمْ من غَيْرِ دَمٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْمُذْهَبِ لَا دَمَ على الْكَافِرِ عِنْدَ أبي مُحَمَّدٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. قُلْت فَيُعَايَى بها. وَعَنْهُ في الْكَافِرِ يُسْلِمُ يُحْرِمُ من الْمِيقَاتِ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ لِأَنَّهُ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ كَالْمُسْلِمِ وهو مُتَمَكِّنٌ من الْمَانِعِ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ يَتَخَرَّجُ في الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَكَذَلِكَ قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي وَالْفَائِقِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ وَهُمَا مِثْلُهُ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرُهُ مِثْلُهُ وَأَوْلَى انْتَهَى. قُلْت لو قِيلَ بِالدَّمِ عَلَيْهِمَا دُونَ الْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ لَكَانَ له وَجْهٌ لِصِحَّتِهِ مِنْهُمَا من الْمِيقَاتِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ وَمَنَعَ الزَّرْكَشِيُّ من التَّخْرِيجِ وقال الرِّوَايَةُ التي كانت في الْكَافِرِ مَبْنِيَّةٌ على أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى. وقال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وبنا [وبنى] بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ في الْكَافِرِ على أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ. وَعَنْهُ يَلْزَمُ الْجَمِيعَ دَمٌ إنْ لم يُحْرِمُوا من الْمِيقَاتِ. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ فإنه يُحْرِمُ من مَوْضِعِ إفَاقَتِهِ وَلَا دَمَ عليه.
فائدة: لو تَجَاوَزَ الْمُحْرِمُ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ لم يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ لم يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ الْوَاجِبِ في الْأَصَحِّ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا وَأَصْحَابُهُ يَقْضِيهِ وَأَنَّ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إلَيْهِ كَنَذْرِ الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ إلَّا لِقِتَالٍ مُبَاحٍ أو حَاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ كَالْحَطَّابِ. وَالْفَيْجِ وَنَقْلِ الْمِيرَةِ وَالصَّيْدِ وَالِاحْتِشَاشِ وَنَحْوِ ذلك وَكَذَا تَرَدُّدُ الْمَكِّيِّ إلَى قَرْيَتِهِ بِالْحِلِّ وَيَأْتِي في آخِرِ كِتَابِ الْحُدُودِ هل يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ. قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ بَدَا له النُّسُكُ أَحْرَمَ من مَوْضِعِهِ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُحْرِمَ من الْمِيقَاتِ وَلَا دَمَ عليه ذَكَرَهَا في الرِّعَايَةِ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ وَمَنْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ رَجَعَ فَأَحْرَمَ منه. يَعْنِي يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ لَكِنْ ذلك مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لم يَخَفْ فَوْتَ الْحَجِّ أو غَيْرَهُ بِلَا نِزَاعٍ. قال في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ في الرِّعَايَةِ في وُجُوبِ الرُّجُوعِ وَجْهَيْنِ وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُمَا بَعْدَ إحْرَامِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ انْتَهَى. قُلْت قال في الرِّعَايَةِ وفي وُجُوبِ رُجُوعِهِ مُحِلًّا لِيُحْرِمَ منه مع أَمْنِ عَدُوٍّ وَفَوْتِ وَقْتِ حَجٍّ وَجْهَانِ. وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِحَالٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَحَكَى ابن عقيل أَنَّهُ إنْ لم يَخَفْ عَدُوًّا وَلَا فَوْتًا لَزِمَهُ الرُّجُوعُ وَالْإِحْرَامُ من الْمِيقَاتِ انْتَهَى.
تنبيه: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو رَجَعَ فَأَحْرَمَ من الْمِيقَاتِ قبل إحْرَامِهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عليه وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وحكى وَجْهٌ عليه دَمٌ. قَوْلُهُ فَإِنْ أَحْرَمَ من مَوْضِعِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ. هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ يَسْقُطُ الدَّمُ إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا الْجَاهِلُ وَالنَّاسِي كَالْعَالِمِ الْعَامِدِ بِلَا نِزَاعٍ وَالْمُكْرَهُ كَالْمُطِيعِ. على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وقال في الْفُرُوعِ وقال أَصْحَابُنَا في الْمُكْرَهِ قال وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا دَمَ على مُكْرَهٍ أو أَنَّهُ كَإِتْلَافٍ. وقال في الرِّعَايَةِ قُلْت وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ دَمٌ. الثَّانِيَةُ لو أَفْسَدَ نُسُكَهُ هذا لم يَسْقُطْ دَمُ الْمُجَاوِزِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ مُهَنَّا يَسْقُطُ بِقَضَائِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
تنبيه: ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يُحْرِمَ قبل مِيقَاتِهِ. أَنَّهُ لا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ قبل الْمِيقَاتِ لَكِنَّهُ لو فَعَلَ غير الِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْجَوَازَ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ من الْمِيقَاتِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ فَيَكُونُ مُبَاحًا وَنَقَلَ صَالِحٌ إنْ قَوِيَ على ذلك فَلَا بَأْسَ. قَوْلُهُ وَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ قبل أَشْهُرِهِ. يَعْنِي أَنَّ هذا هو الِاخْتِيَارُ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مُحْرِمٌ لَكِنْ يُكْرَهُ وَيَصِحُّ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. نَقَلَ أبو طَالِبٍ وَسِنْدِيٌّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا أَنْ يريد [يرد] فَسْخَهُ بِعُمْرَةٍ فَلَهُ ذلك. قال الْقَاضِي بِنَاءً على أَصْلِهِ في فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَعَنْهُ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وابن حَامِدٍ. قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّهَا أَظْهَرُ وقال وقد يُبْنَى الْخِلَافُ على الْخِلَافِ في الْإِحْرَامِ فَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ صَحَّ كَالْوُضُوءِ وَإِنْ قُلْنَا رُكْنٌ لم يَصِحَّ وقد يُقَالُ على الْقَوْلِ بِالشَّرْطِيَّةِ لَا يَصِحُّ أَيْضًا انْتَهَى. وَنَقَلَ عبد اللَّهِ يَجْعَلُهُ عُمْرَةً ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُوَافِقًا لِلْأَوَّلِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إنْ صَرَفَهُ إلَى عُمْرَةٍ أَجْزَأَ عنها وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِعَمَلِهَا وَلَا يُجْزِئُ عنها. وَقَوْلُهُ يتحلل [تحلل] بِعَمَلِهَا وَلَا يُجْزِئُ عنها وَنَقَلَه ابن مَنْصُورٍ وَيُكْرَهُ. قال الْقَاضِي أَرَادَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَذَكَرَ بن شِهَابٍ الْعُكْبَرِيُّ رِوَايَةً لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ من ذِي الْحِجَّةِ. فَيَكُونُ يَوْمُ النَّحْرِ من أَشْهُرِ الْحَجِّ وهو يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم. وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ آخِرُهُ ليلة [له] النَّحْرُ وَاخْتَارَ بن هُبَيْرَةَ أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ كَامِلًا وهو مَذْهَبُ مَالِكٍ.
فائدة: الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ فائدة: الْخِلَافِ تَعَلُّقُ الْحِنْثِ بِهِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وهو مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وقال يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ جَوَازُ الْإِحْرَامِ فيها على خِلَافِ ما سَبَقَ وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ مَالِكٍ فائدة: الْخِلَافِ تَعَلُّقُ الدَّمِ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عنها. وقال الْمَوْلَى من الشَّافِعِيَّةِ لَا فائدة: فيه إلَّا في كَرَاهَةِ الْعُمْرَةِ عِنْدَ مَالِكٍ فيها. وَنَقَلَ في الْفَائِقِ عن ابن الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ قال. فائدة: الْخِلَافِ خُرُوجُ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عن الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَلُزُومُ الدَّمِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَتَأْتِي أَحْكَامُ الْعُمْرَةِ في صِفَةِ الْعُمْرَةِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا الْإِحْرَامُ هو نِيَّةُ النُّسُكِ وَهِيَ كَافِيَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ رِوَايَةً أَنَّ نِيَّةَ النُّسُكِ كَافِيَةٌ مع التَّلْبِيَةِ أو سَوْقِ الْهَدْيِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. الثَّانِيَةُ لو أَحْرَمَ حَالَ وَطْئِهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ وَقَطَعَ بِهِ بن. عَقِيلٍ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ في الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فيه فَدَلَّ على أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ فَيَكُونُ بَاطِلًا ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَتَقَدَّمَ في أَوَّلِ كِتَابِ الْمَنَاسِكِ هل يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ.
تنبيه: شَمِلَ قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَغْتَسِلَ. الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ وهو صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ وَتَقَدَّمَ ذلك.
فائدة: إذَا لم يَجِدْ مَاءً فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ صَالِحٌ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ قال في الْفُرُوعِ في بَابِ الْغُسْلِ وَيَتَيَمَّمُ في الْأَصَحِّ لِحَاجَةٍ. قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يتيمم [تيمم] في الْأَشْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ له التَّيَمُّمُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ. قُلْت وهو الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ. قَوْلُهُ وَيَتَطَيَّبُ. يَعْنِي في بَدَنِهِ وَسَوَاءٌ كان له جِرْمٌ أو لَا فَأَمَّا تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال الْآجُرِّيُّ يَحْرُمُ. وَقِيلَ تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ كَتَطْيِيبِ بَدَنِهِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قال الزَّرْكَشِيُّ وقد شَمِلَهُ كَلَامُ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ. وَيَأْتِي هل له اسْتِدَامَةُ ذلك وَهَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِهِ في آخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَيْسَ له لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ وَيَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ إزَارًا ورداءا [ورداء]. فَالرِّدَاءُ يَضَعُهُ على كَتِفَيْهِ وَالْإِزَارُ في وَسَطِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ في التَّبْصِرَةِ إخْرَاجَ كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ من الرِّدَاءِ أَوْلَى. الثَّانِيَةُ يَجُوزُ إحْرَامُهُ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ قال في التَّبْصِرَةِ بَعْضُهُ على عَاتِقِهِ. قَوْلُهُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيُحْرِمُ عَقِيبَهُمَا. الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ عَقِبَ صَلَاةٍ إمَّا مَكْتُوبَةٍ أو نَفْلٍ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ عَقِيبَ مَكْتُوبَةٍ فَقَطْ وإذا رَكِبَ وإذا سَارَ سَوَاءٌ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ عَقِيبَ فَرْضٍ إنْ كان وَقْتَهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ.
فائدة: لَا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ في وَقْتِ نَهْيٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ فيه الْخِلَافُ الذي في صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ في وَقْتِ النَّهْيِ وقد مَرَّ وَلَا يُصَلِّيهِمَا أَيْضًا من عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ.
تنبيهات: الْأَوَّلُ قَوْلُهُ وَيَنْوِي الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ وَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ. قال ابن منجا إنْ قِيلَ الْإِحْرَامُ ما هو فَإِنْ قِيلَ النِّيَّةُ قِيلَ فَكَيْفَ يَنْوِي النِّيَّةَ وَنِيَّةُ النِّيَّةِ لَا تَجِبُ لَمَا فيه من التَّسَلْسُلِ وَإِنْ قِيلَ التَّجَرُّدُ فَالتَّجَرُّدُ ليس رُكْنًا في الْحَجِّ وَلَا شَرْطًا وِفَاقًا وَالْإِحْرَامُ قِيلَ إنَّهُ أَحَدُهُمَا. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِحْرَامَ النِّيَّةُ وَالتَّجَرُّدُ هَيْئَةٌ لها وَالنِّيَّةُ لَا تَجِبُ لها النِّيَّةُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَيَنْوِي الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ مَعْنَاهُ يَنْوِي بِنِيَّتِهِ نُسُكًا. مُعَيَّنًا وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ شَرْطٌ كما ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَنِيَّةِ الْوُضُوءِ انْتَهَى. الثَّانِي ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ أَيْ يُسْتَحَبُّ فيقول اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ إلَى آخِرِهِ. أَنَّهُ يقول ذلك بِلِسَانِهِ أو بِمَا في مَعْنَاهُ وهو صَحِيحٌ فَلَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ بِقَلْبِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم. وَقِيلَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِحْرَامِ وَيَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ فَكَذَا الِاشْتِرَاطُ وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَاسْتَحَبَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الِاشْتِرَاطَ لِلْخَائِفِ فَقَطْ وَنَقَلَ أبو دَاوُد إنْ اُشْتُرِطَ فَلَا بَأْسَ.
فائدة: الِاشْتِرَاطُ يُفِيدُ شَيْئَيْنِ. أَحَدَهُمَا إذَا عَاقَهُ عَدُوٌّ أو مَرَضٌ أو ذَهَابُ نَفَقَةٍ أو نَحْوُهُ جَازَ له التَّحَلُّلُ. الثَّانِيَ لَا شَيْءَ عليه بِالتَّحَلُّلِ وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ في آخِرِ بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ لَكِنْ قَوْلُنَا جَازَ له التَّحَلُّلُ هو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ منهم الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ وقال الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَأَبِي الْبَرَكَاتِ أَنَّهُ يُحِلُّ بِمُجَرَّدِ الْحَصْرِ وهو ظَاهِرُ الحديث. قَوْلُهُ وَأَفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ. هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه مِرَارًا كَثِيرَةً وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَصَالِحٍ يَخْتَارُ التَّمَتُّعَ لِأَنَّهُ آخِرُ ما أَمَرَ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ إنْ سَاقَ الهدى فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ رَوَاهَا الْمَرُّوذِيُّ وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال هو الْمَذْهَبُ وقال وَإِنْ اعْتَمَرَ وَحَجَّ في سَفْرَتَيْنِ أو اعْتَمَرَ قبل أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ الآئمة الْأَرْبَعَةِ وَنَصَّ عليه أَحْمَدُ في الصُّورَةِ الْأُولَى وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ أَفْضَلُ من الثَّانِيَةِ. نَصَّ عليه وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ في الصُّورَةِ الْأُولَى.
فائدة: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ في حَجَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِحَسَبِ الْمَذَاهِبِ حتى اخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ هل حَلَّ من عُمْرَتِهِ فيه وَجْهَانِ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ أَحْمَدَ لَا شَكَّ أَنَّهُ كان قَارِنًا وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَعَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو الصَّحَابَةِ. قَوْلُهُ وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ. هذا هو الصَّحِيحُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وفي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ هو أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَأَطْلَقَ منهم صَاحِبُ الْمُبْهِجِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ من مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَأَطْلَقُوا منهم الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وابن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُمْ في أَشْهُرِ الْحَجِّ. قَوْلُهُ وَيَفْرُغَ منها. هَكَذَا قال الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ قال الْأَصْحَابُ وَيَفْرُغَ منها. قُلْت جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُبْهِجِ وَالتَّذْكِرَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْخِرَقِيِّ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَيَتَحَلَّلُ. وقال الزَّرْكَشِيُّ وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحُجَّ من عَامِهِ قال وقد أَشَارَ الشَّيْخَانِ إلَى ذلك فَقَالَا حَقِيقَةُ التَّمَتُّعِ ذلك قال وَلَا يَغُرَّنَّك ما وَقَعَ في كَلَامِ أبي مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ من أَنَّ التَّمَتُّعَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ في. أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغَ منها ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ من مَكَّةَ الخ فإن هذا التَّمَتُّعُ الْمُوجِبُ لِلدَّمِ. وَمِنْ هُنَا قُلْنَا إنَّ تَمَتُّعَ حَاضِرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صَحِيحٌ على الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وقال في الْمُحَرَّرِ فَالتَّمَتُّعُ أَنْ يَعْتَمِرَ قبل الْحَجِّ في أَشْهُرِهِ وَتَبِعَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ ولم يَقُولُوا وَيَفْرُغَ منها وَيَأْتِي أَيْضًا في شُرُوطِ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ على التَّمَتُّعِ هل النِّيَّةُ شَرْطٌ في التَّمَتُّعِ أَمْ لَا. قُلْت ما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَا يَرُدُّ على كَلَامِ الْأَصْحَابِ في قَوْلِهِمْ وَيَفْرُغَ منها إذْ الْفَرَاغُ لَا بُدَّ منه على كل مُتَمَتِّعٍ سَوَاءٌ كان آفَاقِيًّا أو مَكِّيًّا إذْ لو أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قبل فَرَاغِ الْعُمْرَةِ لَكَانَ قَارِنًا لَا دَمَ عليه لِأَجْلِ تَمَتُّعِهِ لآنه انْتَقَلَ عن التَّمَتُّعِ إلَى الْقِرَانِ فَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَا عليه دَمَ الْقِرَانِ كما يَأْتِي في شُرُوطِ وُجُوبِ الدَّمِ على الْمُتَمَتِّعِ وَقَالَهُ هو في الشُّرُوطِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَلَا يَلْزَمُ مِمَّا ادَّعَاهُ عَدَمُ صِحَّةِ عُمْرَةِ الْمَكِّيِّ فإن الْأَصْحَابَ قالوا يَفْرُغَ منها وَقَالُوا يَصِحُّ تَمَتُّعُ الْمَكِّيِّ فإذا تَمَتَّعَ الْمَكِّيُّ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلَا بُدَّ من فَرَاغِهِ منها وَإِلَّا صَارَ قَارِنًا فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّمَتُّعِ إلَّا بِفَرَاغِهِ من الْعُمْرَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذلك لِلْمَكِّيِّ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَيَأْتِي في آخِرِ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ هل يَحِلُّ الْمُتَمَتِّعُ إذَا فَرَغَ من الْعُمْرَةِ ولم يَسُقْ الهدى إذَا كان مُلَبَّدًا أَمْ لَا. وَيَأْتِي أَيْضًا في شُرُوطِ وُجُوبِ الدَّمِ على الْمُتَمَتِّعِ هل النِّيَّةُ شَرْطٌ في التَّمَتُّعِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ من مَكَّةَ أو من قَرِيبٍ منها في عَامِهِ. هَكَذَا زَادَ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنَقَلَهُ حَرْبٌ وأبو دَاوُد يَعْنِي أَنَّهُمْ قالوا من مَكَّةَ أو من قَرِيبٍ منها وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْوَجِيزِ لَكِنْ قَيَّدَ الْقُرْبَ بِالْحَرَمِ وَاَلَّذِي عليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُحْرِمُ. في عَامِهِ ولم يَقُولُوا من مَكَّةَ وَلَا من قَرِيبٍ منها وَنَسَبَهُ في الْفُرُوعِ إلَى الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وزاد بَعْضُ الْأَصْحَابِ فقال يُحْرِمُ في عَامِهِ من مَكَّةَ ولم يذكر قَرِيبًا منها منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْكَافِي وابن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ. قَوْلُهُ وَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا. هذا بِلَا نِزَاعٍ وَلَكِنْ يَعْتَمِرُ بَعْدَ ذلك ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقُوا منهم صَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. قال جَمَاعَةٌ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ من الْمِيقَاتِ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ من أَدْنَى الْحِلِّ. قال في الْفَائِقِ هو أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ من أَدْنَى الْحِلِّ وَكَذَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ قال ابن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ من الْمِيقَاتِ زَادَ بَعْضُهُمْ على ذلك وَعَنْهُ بَلْ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ من الْمِيقَاتِ وهو صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وقال في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ الْإِفْرَادُ أَنْ لَا يَأْتِيَ في أَشْهُرِ الْحَجِّ بِغَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو أَجْوَدُ. قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَحَلَّلَ منه في يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ أَحْرَمَ فيه بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ في ظَاهِرِ ما نَقَلَه ابن هَانِئٍ ليس على مُعْتَمِرٍ بَعْدَ الْحَجِّ هَدْيٌ لِأَنَّهُ في حُكْمِ ما ليس من أَشْهُرِهِ بِدَلِيلِ فَوَاتِ الْحَجِّ فيه وَقَالَه ابن عقيل في مُفْرَدَاتِهِ. قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على أَنَّهُ لو أَحْرَمَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ من الْأَوَّلِ صَحَّ. وقال في الْفُصُولِ الْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ في أَشْهُرِهِ فإذا تَحَلَّلَ منه أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ من أَدْنَى الْحِلِّ. قَوْلُهُ وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جميعا. هَكَذَا أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْمُبْهِجِ وَالْمُحَرَّرِ قال في الْخُلَاصَةِ وَالْقِرَانُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا في مُدَّةِ الْإِحْرَامِ وقال آخَرُونَ يُحْرِمُ بِهِمَا جميعا من الْمِيقَاتِ. منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وابن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ أو يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلَ عليها الْحَجَّ. أَطْلَقَ ذلك أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ من مَكَّةَ أو قُرْبِهَا.
فائدتان: إحْدَاهُمَا لَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ إدْخَالِ الْحَجِّ على الْعُمْرَةِ الْإِحْرَامُ بِهِ في أَشْهُرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ ذلك. الثَّانِيَةُ لو شَرَعَ في طَوَافِ الْعُمْرَةِ لم يَصِحَّ إدْخَالُ الْحَجِّ عليها كما لو سَعَى إلَّا لِمَنْ معه هدى فإنه يَصِحُّ وَيَصِيرُ قَارِنًا بِنَاءً على الْمَذْهَبِ من أَنَّ من معه الهدى لَا يَجُوزُ له التَّحَلُّلُ.
تنبيه: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْطِقَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ من عُمْرَةٍ أو حَجٍّ أو هُمَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَعَنْ أبي الْخَطَّابِ لَا يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ ما أَحْرَمَ بِهِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عليه الْعُمْرَةَ لم يَصِحَّ إحْرَامُهُ بها ولم يَصِرْ قَارِنًا. هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ بِنَاءً على أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالْإِحْرَامِ الثَّانِي شَيْءٌ فيه خِلَافٌ. وَقِيلَ يَجُوزُ إدْخَالُ الْعُمْرَةِ على الْحَجِّ ضَرُورَةً. فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفُضَهَا لِتَأَكُّدِ الْحَجِّ بِفِعْلِ بَعْضِهِ وَعَلَيْهِ بِرَفْضِهَا دَمٌ وَيَقْضِيهَا.
فائدة: مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّ عَمَلَ الْقَارِنِ كَالْمُفْرِدِ في الْإِجْزَاءِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَيَسْقُطُ تَرْتِيبُ الْعُمْرَةِ وَيَصِيرُ التَّرْتِيبُ لِلْحَجِّ كما يَتَأَخَّرُ الْحِلَاقِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَوَطْؤُهُ قبل طَوَافِهِ لَا يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ وَعَنْهُ على الْقَارِنِ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ وَعَنْهُ على الْقَارِنِ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وأبو حَفْصٍ لِعَدَمِ طَوَافِهَا. وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ صِفَةِ الْحَجِّ أَنَّ عَمْرَةَ الْقَارِنِ تُجْزِئُ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يُقَدِّمُ الْقَارِنُ فِعْلَ الْعُمْرَةِ على فِعْلِ الْحَجِّ كَمُتَمَتِّعٍ سَاقَ هَدْيًا فَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قبل طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لها فَقِيلَ تُنْتَقَضُ عُمْرَتُهُ وَيَصِيرُ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ ثُمَّ يَعْتَمِرُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ لَا تُنْتَقَضُ عُمْرَتُهُ فإذا رَمَى الْجَمْرَةَ طَافَ لها ثُمَّ سَعَى ثُمَّ طَافَ لِلْحَجِّ ثُمَّ سَعَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. وَيَأْتِي هل لِلْقِرَانِ إحْرَامَانِ أو إحْرَامٌ وَاحِدٌ في آخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ قبل قَوْلِهِ وَكُلُّ هَدْيٍ أو إطْعَامٍ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ. قَوْلُهُ وَيَجِبُ على الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ دَمُ نُسُكٍ. فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا دَمُ نُسُكٍ لَا دَمُ جُبْرَانَ. أَمَّا الْقَارِنُ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ كما قال الْمُصَنِّفُ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ بَكْرُ بن مُحَمَّدٍ عليه هدى وَلَيْسَ كَالْمُتَمَتِّعِ إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ على الْمُتَمَتِّعِ هَدْيًا في كِتَابِهِ وَالْقَارِنُ إنَّمَا روى أَنَّ عُمَرَ قال لِلصَّبِيِّ اذْبَحْ تَيْسًا. وَسَأَلَه ابن مشيش الْقَارِنُ يَجِبُ عليه الدَّمُ وُجُوبًا فقال كَيْفَ يَجِبُ عليه وُجُوبًا وَإِنَّمَا شَبَّهُوهُ بِالْمُتَمَتِّعِ قال في الْفُرُوعِ فَتَتَوَجَّهُ منه رِوَايَةٌ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَكُونُ الدَّمُ دَمَ نُسُكٍ كما قال الْمُصَنِّفُ وهو الصَّحِيحُ من. الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال في الْمُبْهِجِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ ليس بِدَمِ نُسُكٍ يعينان [يعنيان] بَلْ دَمُ جُبْرَانَ.
فائدة: لَا يَلْزَمُ الدَّمُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كما قال الْمُصَنِّفُ وَقَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ من سَافَرَ سَفَرَ قَصْرٍ أو إلَى الْمِيقَاتِ إنْ قُلْنَا بِهِ كَظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي لُزُومَهُ لِأَنَّ اسْمَ الْقِرَانِ بَاقٍ بَعْدَ السَّفَرِ بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ انْتَهَى. وَأَمَّا الْمُتَمَتِّعُ فَيَجِبُ الدَّمُ عليه بِسَبْعَةِ شُرُوطٍ. أَحَدِهَا ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وهو إذَا لم يَكُنْ من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهَذَا شَرْطٌ في وُجُوبِهِ إجْمَاعًا وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ كان منها دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ من نَفْسِ مَكَّةَ وهو اخْتِيَارُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَقَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ ابن منجا في شَرْحِهِ. وَقِيلَ أَوَّلُ مَسَافَةِ الْقَصْرِ من آخِرِ الْحَرَمِ وهو الْمَذْهَبُ وَذَكَرَه ابن هُبَيْرَةَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ.
فوائد: الْأُولَى من له مَنْزِلٌ قَرِيبٌ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَمَنْزِلٌ بَعِيدٌ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لم يَلْزَمْهُ دَمٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِهِ من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فلم يُوجَدْ الشَّرْطُ وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ من الْقَرِيبِ وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وابن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ إقَامَتَهُ أَكْثَرَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِمَالِهِ ثُمَّ بِبَنِيهِ ثُمَّ الذي أَحْرَمَ منه. الثَّانِيَةُ لو دخل آفَاقِيٌّ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا الْإِقَامَةَ بها بَعْدَ فَرَاغِ نُسُكِهِ أو نَوَاهَا. بَعْدَ فَرَاغِهِ منه فَعَلَيْهِ دَمٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَاه ابن المنذر إجْمَاعًا وَحَكَى وَجْهًا لَا دَمَ عليه. الثَّالِثَةُ لو اسْتَوْطَنَ آفَاقِيٌّ مَكَّةَ فَهُوَ من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. الرَّابِعَةُ لو اسْتَوْطَنَ مَكِّيٌّ الشَّامَ أو غَيْرَهَا ثُمَّ عَادَ مُقِيمًا مُتَمَتِّعًا لَزِمَهُ الدَّمُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ لَا دَمَ عليه كَسَفَرِ غَيْرِ مَكِّيٍّ ثُمَّ عودة. الشَّرْطِ الثَّانِي أَنْ يَعْتَمِرَ في أَشْهُرِ الْحَجِّ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ عُمْرَتُهُ في الشَّهْرِ الذي أَهَلَّ فيه وَالِاعْتِبَارُ عِنْدَنَا بِالشَّهْرِ الذي أَحْرَمَ فيه فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ في رَمَضَانَ ثُمَّ حَلَّ في شَوَّالٍ لم يَكُنْ مُتَمَتِّعًا نَصَّ عليه في رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ. الشَّرْطِ الثَّالِثِ أَنْ يَحُجَّ من عَامِهِ. الشَّرْطِ الرَّابِعِ أَنْ لَا يُسَافِرَ بين الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فَإِنْ سَافَرَ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ فَأَحْرَمَ فَلَا دَمَ عليه نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِه ابن عقيل في التَّذْكِرَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَالَا ولم يُحْرِمْ بِهِ من مِيقَاتٍ أو يُسَافِرُ سَفَرَ قَصْرٍ وقال في الْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ من الْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ من الْمِيقَاتِ فَلَا دَمَ عليه وَنَصَّ عليه أَحْمَدُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَحَمَلَهُ الْقَاضِي على أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةَ قَصْرٍ وقال ابن عَقِيلٍ هو رِوَايَةٌ وقال في التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ إنْ سَافَرَ إلَيْهِ فَأَحْرَمَ بِهِ فَوَجْهَانِ. وَنَظِيرُ أَثَرِ الْخِلَافِ في قَرْنٍ مِيقَاتِ أَهْلِ نَجْدٍ فإنه أَقَلُّ ما تُقْصَرُ فيه الصَّلَاةُ أَمَّا ما عَدَاهُ فإن بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةَ قَصْرٍ على ظَاهِرِ ما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. في الْمَوَاقِيتِ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ إنَّ أَقْرَبَهَا ذَاتُ عِرْقٍ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَإِنْ رَجَعَ. الشَّرْطِ الْخَامِسِ أَنْ يَحِلَّ من الْعُمْرَةِ قبل إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ يَحِلُّ أَوَّلًا فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ قبل حَلِّهِ منها صَارَ قَارِنًا. الشَّرْطِ السَّادِسِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ من الْمِيقَاتِ ذَكَرَهُ أبو الْفَرَجِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَجَزَمَ بِه ابن عقيل في التَّذْكِرَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ إنْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ قَصْرٍ فَأَحْرَمَ منه لم يَلْزَمْهُ دَمُ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَلْ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ من دُونِ الْمِيقَاتِ يَلْزَمُهُ دَمَانِ دَمُ الْمُتْعَةِ وَدَمُ الْإِحْرَامِ من دُونِ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ لم يَقُمْ ولم يَنْوِهَا بِهِ وَلَيْسَ بِسَاكِنٍ وَرَدُّوا ما قَالَهُ الْقَاضِي. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَلَوْ أَحْرَمَ الْآفَاقِيُّ بِعُمْرَةٍ في غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَاعْتَمَرَ من التَّنْعِيمِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ من عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَا وفي نَصِّهِ على هذه الصُّورَةِ تنبيه: على إيجَابِ الدَّمِ في الصُّورَةِ الْأُولَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. الشَّرْطِ السَّابِعِ نِيَّةُ الْمُتَمَتِّعِ في ابْتِدَاءِ الْعُمْرَةِ أو في أَثْنَائِهَا قَالَهُ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ الْأَكْثَرُ. قُلْت جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُبْهِجِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ. قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَنْوِي في الْأَصَحِّ وقال في الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَيَنْوِي في الْأَظْهَرِ وَقِيلَ لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّمَتُّعِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ.
.
فوائد: إحْدَاهَا لَا يُعْتَبَرُ وُقُوعُ التسكين [النسكين] عن وَاحِدٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ فَلَوْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ وَحَجَّ عن غَيْرِهِ أو عَكْسِهِ أو فَعَلَ ذلك عن اثْنَيْنِ كان عليه دَمُ الْمُتْعَةِ. وقال في التَّلْخِيصِ في الشَّرْطِ الثَّالِثِ أَنْ يَكُونَ النُّسُكَانِ عن شَخْصٍ وَاحِدٍ إمَّا عن نَفْسِهِ أو عن غَيْرِهِ فَإِنْ كان عن شَخْصَيْنِ فَلَا تَمَتُّعَ لِأَنَّهُ لم يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ من الْإِحْرَامِ بِالنُّسُكِ الثَّانِي من الْمِيقَاتِ إذَا كان عن غَيْرِ الْأَوَّلِ. وَالْمُصَنِّفُ يُخَالِفُ صَاحِبَ التَّلْخِيصِ في الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ بَنَى عَلَيْهِمَا وَالْمَجْدُ يُوَافِقُهُ في الْأَصْلِ الثَّانِي وَظَاهِرُ كَلَامِهِ مُخَالَفَتُهُ في الْأَوَّلِ. الثَّانِيَةُ لَا تُعْتَبَرُ هذه الشُّرُوطُ في كَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا على الصَّحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ يُعْتَبَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ إلَّا الشَّرْطَ السَّادِسَ فإن الْمُتْعَةَ تَصِحُّ من الْمَكِّيِّ كَغَيْرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ كَالْإِفْرَادِ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ ليس لِأَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ. قال الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ مَعْنَاهُ ليس عليهم دَمُ مُتْعَةٍ. وقال الزَّرْكَشِيُّ قُلْت قد يُقَالُ إنَّ هذا من الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِنَاءً على أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَجِبُ عليهم فَلَا مُتْعَةَ عليهم أَيْ الْحَجُّ كَافِيهِمْ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا عليهم فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا انْتَهَى. وَذَكَرَ ابن عَقِيلٍ رِوَايَةً لَا تَصِحُّ الْمُتْعَةُ منهم قال ابن أبي مُوسَى لَا مُتْعَةَ لهم وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ. الثَّالِثَةُ لَا يَسْقُطُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ بِإِفْسَادِ نُسُكِهِمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَنْهُ يَسْقُطُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وقال الْقَاضِي إنْ قُلْنَا يَلْزَمُ الْقَارِنَ لِلْإِفْسَادِ دَمَانِ سَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ انْتَهَى. الرَّابِعَةُ لَا يَسْقُطُ دَمُهُمَا أَيْضًا بِفَوَاتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَسْقُطُ. الْخَامِسَةُ إذَا قَضَى الْقَارِنُ قَارِنًا لَزِمَهُ دَمَانِ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ دَمٌ وَلِقِرَانِهِ الثَّانِي آخَرُ وفي دَمِ فَوَاتِهِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ وقال الْمُصَنِّفُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ دَمٌ لِقِرَانِهِ وَدَمٌ لِفَوَاتِهِ وإذا قَضَى الْقَارِنُ مُفْرِدًا لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ لِفَوَاتِهِ الرِّوَايَتَانِ وزاد في الْفُصُولِ يَلْزَمُهُ دَمٌ ثَالِثٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال. فإذا فَرَغَ من قَضَى مُفْرِدًا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ من الْأَبْعَدِ كَمَنْ فَسَدَ حَجُّهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ وإذا قَضَى مُتَمَتِّعًا فإذا تَحَلَّلَ من الْعُمْرَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ من الْأَبْعَدِ. السَّادِسَةُ يَلْزَمُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَرَدَّ ما نُقِلَ عنه خِلَافُهُ إلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَعَنْهُ يَلْزَمُ الدَّمُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَعَنْهُ يَلْزَمُ الدَّمُ بِالْوُقُوفِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّهُ في الْمُجَرَّدِ وَأَطْلَقَهَا وَاَلَّتِي قَبْلَهَا في الْكَافِي ولم يذكر غَيْرَهُمَا وكذا قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وقال ابن الزَّاغُونِيُّ في الْوَاضِحِ يَجِبُ دَمُ الْقِرَانِ بِالْإِحْرَامِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَعَنْهُ يَلْزَمُ بإحرام [إحرام] الْعُمْرَةِ لِنِيَّةِ التَّمَتُّعِ إذَا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَبْنِيَ عليها ما إذَا مَاتَ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ يَخْرُجُ عنه من تَرِكَتِهِ. وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ فائدة: الرِّوَايَاتِ إذَا تَعَذَّرَ الدَّمُ وَأَرَادَ الِانْتِقَالَ إلَى الصَّوْمِ فَمَتَى يَثْبُتُ الْعُذْرُ فيه الرِّوَايَاتُ.
تنبيهان: أَحَدُهُمَا هذا الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ في لُزُومِ الدَّمِ. وَأَمَّا وَقْتُ ذَبْحِهِ فَجَزَمَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ قبل وُجُوبِهِ قال في الْفُرُوعِ وقال الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ قبل فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ قال فَظَاهِرُهُ يَجُوزُ إذَا وَجَبَ لِقَوْلِهِ {وَلَا تَحْلِقُوا رؤوسكم [رءوسكم] حتى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} فَلَوْ جَاوَزَ قبل يَوْمِ النَّحْرِ لَجَازَ الْحَلْقُ لِوُجُودِ الْغَايَةِ قال وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ في الْمُحْصَرِ وَيَنْبَنِي على عُمُومِ الْمَفْهُومِ وَلِأَنَّهُ لو جَازَ لَنَحَرَهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَصَارَ كَمَنْ لَا هدى معه وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ كان مُفْرِدًا أو قَارِنًا وكان له نِيَّةٌ أو فَعَلَ الْأَفْضَلَ وَلِمَنْعِ التَّحَلُّلِ بِسَوْقِهِ انْتَهَى. وقد جَزَمَ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ وَقْتَ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَقْتُ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ على ما يَأْتِي في بَابِهِ. وَاخْتَارَ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ يَجُوزُ له نَحْرُهُ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَأَنَّهُ أَوْلَى من الصَّوْمِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ وَحَمَلَ رِوَايَةَ ابن مَنْصُورٍ بِذَبْحِهِ يوم النَّحْرِ على وُجُوبِهِ يوم النَّحْرِ. وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ إنْ قَدِمَ قبل الْعَشْرِ وَمَعَهُ هَدْيٌ يَنْحَرُهُ لَا يَضِيعُ أو يَمُوتُ أو يُسْرَقُ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا ضَعِيفٌ قال في الْكَافِي وَإِنْ قَدِمَ قبل الْعَشْرِ نَحَرَهُ وَإِنْ قَدِمَ بِهِ في الْعَشْرِ لم يَنْحَرْهُ حتى يَنْحَرَهُ بِمِنًى اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَاقْتَصَرَ عليه. الثَّانِي هذا الْحُكْمُ مع وُجُودِ الهدى لَا مع عَدَمِهِ. وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَثْنَاءِ بَابِ الْفِدْيَةِ. قَوْلُهُ وَمَنْ كان قَارِنًا أو مُفْرِدًا أَحْبَبْنَا له أَنْ يَفْسَخَ إذَا طَافَ وَسَعَى وَيَجْعَلَهَا عُمْرَةً لِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ. اعْلَمْ أَنَّ فَسْخَ الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ حَجَّهُمَا إلَى الْعُمْرَةِ مُسْتَحَبٌّ بشرطه [بشرط] نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً وَعَبَّرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ بِالْجَوَازِ وَأَرَادُوا فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ مع الْمُخَالِفِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ لَكِنْ الْمُصَنِّفُ هُنَا ذَكَرَ الْفَسْخَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وقال هذا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ. وَعَنْ ابن عَقِيلٍ الطَّوَافُ بِنِيَّةِ الْعُمْرَةِ هو الْفَسْخُ وَبِهِ حَصَلَ رَفْضُ الْإِحْرَامِ لَا غَيْرُ فَهَذَا تَحْقِيقُ الْفَسْخِ وما يَنْفَسِخُ بِهِ. قال الزَّرْكَشِيُّ قُلْت وَهَذَا جَيِّدٌ وَالْأَحَادِيثُ لَا تَأْبَاهُ انْتَهَى. وقال في الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وهو مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ لِلْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ أَنْ يَفْسَخَا نُسُكَهُمَا إلَى الْعُمْرَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَا وَقَفَا بِعَرَفَةَ وَلَا سَاقَا هَدْيًا فلم يُفْصِحُوا بِوَقْتِ الْفَسْخِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ الْفَسْخِ سَوَاءٌ طَافَا وَسَعَيَا أو لَا إذَا لم يَقِفَا بِعَرَفَةَ. قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَغُرَّنَّك كَلَامُ ابن منجا فإنه قال ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ شَرْطٌ في اسْتِحْبَابِ الْفَسْخِ قال وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَقْتَضِي الْفَسْخَ قبل الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِأَنَّهُ إذَا طَافَ وَسَعَى ثُمَّ فَسَخَ يَحْتَاجُ إلَى طَوَافٍ وَسَعْيٍ لِأَجْلِ الْعُمْرَةِ ولم يُرِدْ مِثْلَ ذلك. قال وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ على أَنَّ إذَا ظَرْفٌ لَأَحْبَبْنَا له أَنْ يَفْسَخَ وَقْتَ طَوَافِهِ أَيْ وَقْتَ جَوَازِ طَوَافِهِ انْتَهَى كَلَامُ ابن منجا وَغَفَلَ عن كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَالْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَكَلَامِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَأْبَى ذلك. قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَيْسَ في كَلَامِهِمْ ما يَقْتَضِي أَنَّهُ يَطُوفُ طَوَافًا ثَانِيًا كما زَعَمَ ابن منجا انْتَهَى. قُلْت قال في الْكَافِي يُسَنُّ لَهُمَا إذَا لم يَكُنْ مَعَهُمَا هَدْيٌ أَنْ يَفْسَخَا نِيَّتَهُمَا بِالْحَجِّ وَيَنْوِيَا عُمْرَةً وَيَحِلَّا من إحْرَامِهِمَا بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَتَقْصِيرٍ لِيَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْنِ انْتَهَى. قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَوْل ابن منجا إنَّ الْأَخْبَارَ تَقْتَضِي الْفَسْخَ قبل الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ليس كَذَلِكَ بَلْ قد يُقَالُ إنَّ ظَاهِرَهَا إن الْفَسْخَ إنَّمَا هو بَعْدَ الطَّوَافِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ فإنه كَالنَّصِّ فإن الْأَمْرَ بِالْفَسْخِ إنَّمَا هو بَعْدَ طَوَافِهِمْ انْتَهَى. وقال في الْفُرُوعِ لَهُمَا أَنْ يَفْسَخَا نِيَّتَهُمَا بِالْحَجِّ زَادَ الْمُصَنِّفُ إذَا طَافَا وَسَعَيَا فَيَنْوِيَانِ بِإِحْرَامِهِمَا ذلك عُمْرَةً مُفْرَدَةً فإذا فَرَغَا منها وَحَلَّا أَحْرَمَا بِالْحَجِّ لِيَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْنِ. وقال في الِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ لو ادَّعَى مُدَّعٍ وُجُوبَ الْفَسْخِ لم يَبْعُدْ. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجِبُ على من اعْتَقَدَ عَدَمَ مَسَاغِهِ نَقَلَهُ في الْفَائِقِ. قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قد سَاقَ هَدْيًا فَيَكُونُ على إحْرَامِهِ. هذا شَرْطٌ في صِحَّةِ فَسْخِ الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ حَجَّهُمَا إلَى الْعُمْرَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَيَأْتِي حِكَايَةً الخلاف بَعْدَ هذا. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُهُ لم يَقِفْ بِعَرَفَةَ قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ ولو [لو] سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ هَدْيًا لم يَكُنْ له أَنْ يَحِلَّ. هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ فَعَلَى هذا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إذَا طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ قبل تَحَلُّلِهِ بِالْحَلْقِ فإذا ذَبَحَهُ يوم النَّحْرِ حَلَّ مِنْهُمَا مَعًا نَصَّ عليه. نَقَلَ أبو طَالِبٍ الْهَدْيُ يَمْنَعُهُ من التَّحَلُّلِ من جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ في الْعَشْرِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا المذهب وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ يَحِلُّ كَمَنْ لم يُهْدِ وهو مُقْتَضَى ما نَقَلَهُ يُوسُفُ بن مُوسَى قَالَهُ الْقَاضِي. وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ أَيْضًا فِيمَنْ يَعْتَمِرُ قَارِنًا أو مُتَمَتِّعًا وَمَعَهُ هَدْيٌ له أَنْ يُقَصِّرَ من شَعْرِ رَأْسِهِ خَاصَّةً. وَعَنْهُ إنْ قَدِمَ قبل الْعَشْرِ نَحَرَ الْهَدْيَ وَحَلَّ. وَنَقَلَ يُوسُفُ بن مُوسَى فِيمَنْ قَدِمَ مُتَمَتِّعًا معه هَدْيٌ إنْ قَدِمَ في شَوَّالٍ نحره [نحوه] وَحَلَّ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ وَإِنْ قَدِمَ في الْعَشْرِ لم يَحِلَّ فَقِيلَ له خَبَرُ مُعَاوِيَةَ فقال إنَّمَا حَلَّ بِمِقْدَارِ التَّقْصِيرِ. قال الْقَاضِي ظَاهِرُهُ يَتَحَلَّلُ قبل الْعَشْرِ لِأَنَّهُ لَا يَطُولُ إحْرَامُهُ وقال الْمُصَنِّفُ يَحْتَمِلُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ أَنَّ له التَّحَلُّلَ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ. وَيَأْتِي هذا أَيْضًا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا حَيْثُ صَحَّ الْفَسْخُ فإنه يَلْزَمُهُ دَمٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عن الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ دَمٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الثَّانِيَةُ قال في الْمُسْتَوْعِبِ لَا يُسْتَحَبُّ الْإِحْرَامُ بِنِيَّةِ الْفَسْخِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يُكْرَهُ ذلك وَاقْتَصَرَ في الْفُرُوعِ على حِكَايَةِ قَوْلِهِمَا. قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ إذَا دَخَلَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ قبل فَوْتِ الْحَجِّ أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ وَصَارَتْ قَارِنَةً نَصَّ عليه ولم تَقْضِ طَوَافَ الْقُدُومِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ في ذلك كُلِّهِ وكذا الْحُكْمُ لو خَافَ غَيْرُهَا فَوَاتَ الْحَجِّ نَصَّ عليه وَيَجِبُ دَمُ الْقِرَانِ وَتَسْقُطُ عنه الْعُمْرَةُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ في كُتُبِ الْخِلَافِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا بِأَنْ نَوَى نَفْسَ الْإِحْرَامِ ولم يُعَيِّنْ نُسُكًا صَحَّ وَلَهُ صَرْفُهُ إلَى ما شَاءَ . هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَجْعَلُهُ عُمْرَةً وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا يَجْعَلُهُ عُمْرَةً وقال الْقَاضِي يَجْعَلُهُ عُمْرَةً إنْ كان في غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ أَوْلَى كَابْتِدَاءِ إحْرَامِ الْحَجِّ في غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وقال في الرِّعَايَةِ إنْ شَرَطْنَا تَعْيِينَ ما أَحْرَمَ بِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ الْمُطْلَقُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال. قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ بِمِثْلِ ما أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ بمثله. وَكَذَا لو أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ بِلَا خِلَافٍ فِيهِمَا نَعْلَمُهُ ثُمَّ إنْ عَلِمَ ما أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ انْعَقَدَ مِثْلُهُ وَكَذَا لو كان إحْرَامُ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ ما لو أَحْرَمَ هو بِهِ مُطْلَقًا على ما تَقَدَّمَ. قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ لَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى ما يصرف [يصرفه] إلَيْهِ وَلَا إلَى ما كان صَرَفَهُ إلَيْهِ وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ احْتِمَالَيْنِ. قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَعْمَلُ بِقَوْلِهِ لَا بِمَا وَقَعَ في نَفْسِهِ. وَلَوْ كان إحْرَامُ من أَحْرَمَ بمثله فَاسِدًا فقال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ لنا فِيمَا إذَا نَذَرَ عِبَادَةً فَاسِدَةً هل تَنْعَقِدُ صَحِيحَةً أَمْ لَا على ما يَأْتِي في النَّذْرِ. وَلَوْ جَهِلَ إحْرَامَ الْأَوَّلِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ من أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَلَوْ شَكَّ هل أَحْرَمَ الْأَوَّلُ أو لَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ. ما لو لم يُحْرِمْ فَيَكُونُ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ وقال فَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَعْلَمَ أَنَّهُ لم يُحْرِمْ لَجَزَمَ بِالْإِحْرَامِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ كان مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت فلم يَكُنْ مُحْرِمًا وقال في الْكَافِي حُكْمُهُ حُكْمُ من أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ.
فائدة: قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أو عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا. بِلَا نِزَاعٍ قال في الْفُرُوعِ مُعَلِّلًا لِأَنَّ الزَّمَانَ يَصْلُحُ لِوَاحِدَةٍ فَيَصِحُّ بِهِ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قال فَدَلَّ على خِلَافٍ هُنَا كَأَصْلِهِ قال وهو مُتَوَجِّهٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ يواحده [بواحدة] مِنْهُمَا في قَوْلٍ وقال أَيْضًا يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ في انْعِقَادِهِ بِهِمَا. قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ جَعَلَهُ عُمْرَةً. هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ أبو دَاوُد وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا قال ابن منجا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وقال الْقَاضِي يَصْرِفُهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَحَمَلَ الْقَاضِي نَصَّ أَحْمَدَ على الِاسْتِحْبَابِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ. قُلْت وهو الصَّوَابُ لِأَنَّهُ على كل تَقْدِيرٍ جَائِزٌ. قال في الْمُحَرَّرِ وَمَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ فَأُنْسِيهِ أو أَحْرَمَ بِهِ مُطْلَقًا ثُمَّ عَيَّنَهُ بِتَمَتُّعٍ أو إفْرَادٍ أو قِرَانٍ جَازَ وَسَقَطَ عنه فَرْضُهُ إلَّا النَّاسِيَ لِنُسُكِهِ إذَا عَيَّنَهُ بِقِرَانٍ أو بِتَمَتُّعٍ وقد سَاقَ الْهَدْيُ فإنه يُجْزِيهِ عن الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ هل يَجْعَلُهُ عُمْرَةً أو ما شَاءَ.
فائدة: لو عَيَّنَ الْمَنْسِيُّ بِقِرَانٍ صَحَّ حَجُّهُ وَلَا دَمَ عليه على الصَّحِيحِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ دَمُ قِرَانٍ احْتِيَاطًا وَقِيلَ وَتَصِحُّ عُمْرَتُهُ بِنَاءً على إدْخَالِ الْعُمْرَةِ على الْحَجِّ لِحَاجَةٍ فَيَلْزَمُهُ دَمُ قِرَانٍ وَلَوْ عَيَّنَهُ بِتَمَتُّعٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ وَيُجْزِيهِ عنهما. وَلَوْ كان شَكُّهُ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ جَعَلَهُ عُمْرَةً لِامْتِنَاعِ إدْخَالِ الْحَجِّ إذَنْ لِمَنْ لَا هَدْيَ معه فإذا سَعَى وَحَلَقَ فَمَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْوُقُوفِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَيُتَمِّمُهُ وَيُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْحَلْقِ في غَيْرِ وَقْتِهِ وَإِنْ كان حَاجًّا وَإِلَّا قَدَّمَ مُتْعَةً. وَلَوْ كان شَكُّهُ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَجَعَلَهُ حَجًّا أو قِرَانًا تَحَلَّلَ بِفِعْلِ الْحَجِّ ولم يُجْزِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلنُّسُكِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ المنسى عُمْرَةٌ فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهُ عليها بَعْدَ طَوَافِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَجٌّ فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا عليه وَلَا دَمَ وَلَا قَضَاءَ لِلشَّكِّ في سَبَبِهِمَا.
فائدة: قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ عن رَجُلَيْنِ وَقَعَ عن نَفْسِهِ. بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لو أَحْرَمَ عن نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ عن أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ وَقَعَ عن نَفْسِهِ. هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ. وقال أبو الْخَطَّابِ يَصْرِفُهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ قال في الْهِدَايَةِ وَعِنْدِي له صَرْفُهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ. فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لو طَافَ شَوْطًا أو سَعَى أو وَقَفَ بِعَرَفَةَ قبل جَعْلِهِ لِأَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ جَعْلُهُ عن نَفْسِهِ على الصَّحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يَبْطُلُ كَذَا قال في الرِّعَايَةِ وَيَضْمَنُ.
فائدة: يُؤَدَّبُ من أَخَذَ من اثْنَيْنِ حَجَّتَيْنِ لِيَحُجَّ عنهما في عَامٍ وَاحِدٍ لِفِعْلِهِ مُحْرِمًا نَصَّ عليه فَإِنْ اسْتَنَابَهُ اثْنَانِ في عَامٍ في نُسُكٍ فَأَحْرَمَ عن أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ونسبه [ونسيه] أو تَعَذَّرَ مَعْرِفَتُهُ فَإِنْ فَرَّطَ أَعَادَ الْحَجَّ عنهما وَإِنْ فَرَّطَ الْمُوصَى إلَيْهِ بِذَلِكَ غَرِمَ ذلك وَإِلَّا فَمِنْ تركه الْمُوصِيَيْنِ إنْ كان النَّائِبُ غير مُسْتَأْجِرٍ لِذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَاهُ. وَإِنْ أَحْرَمَ عن أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ولم يَنْسَهُ صَحَّ ولم يَصِحَّ إحْرَامُهُ لِلْآخَرِ بَعْدُ نَصَّ عليه. قُلْت قد قِيلَ إنَّهُ يُمْكِنُ فِعْلُ حَجَّتَيْنِ في عَامٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ يَطُوفَ لِلزِّيَارَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ بِيَسِيرٍ ثُمَّ يُدْرِكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قبل طُلُوعِ فَجْرِ لَيْلَةِ النَّحْرِ. قَوْلُهُ وإذا اسْتَوَى على رَاحِلَتِهِ لَبَّى. يَعْنِي إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم الْخِرَقِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ. وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ ابْتِدَاءُ التَّلْبِيَةِ عَقِبَ إحْرَامِهِ وهو الْمَذْهَبُ. قال الزَّرْكَشِيُّ الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ التَّلْبِيَةُ حين يُحْرِمُ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ يُلَبِّي مَتَى شَاءَ سَاعَةَ يُسَلِّمُ وَإِنْ شَاءَ بَعْدُ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا التَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ وَاجِبَةٌ اخْتَارَهُ في الْفَائِقِ. الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَبِّيَ عن أَخْرَسَ وَمَرِيضٍ نَقَلَه ابن إبْرَاهِيمَ قال جَمَاعَةٌ وَعَنْ مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عليه زَادَ بَعْضُهُمْ وَنَائِمٍ. وقد ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ الْمَفْهُومَةَ كَنُطْقِهِ. قُلْت الصَّوَابُ الذي لَا شَكَّ فيه أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ بِالتَّلْبِيَةِ تَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ بها حَيْثُ عَلِمْنَا إرَادَتَهُ لِذَلِكَ.
تنبيهان: أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَبَّى تَلْبِيَةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ إلَى آخِرِهِ. أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عليها وهو صَحِيحٌ فَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عليها وَلَكِنْ لَا يُكْرَهُ. على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ابن هُبَيْرَةَ في الْإِفْصَاحِ تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عليها وَقِيلَ له الزِّيَادَةُ بَعْدَ فَرَاغِهَا لَا فيها. الثَّانِي ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بها. الْإِطْلَاقُ فَيَدْخُلُ فيه لو أَحْرَمَ من بَلَدِهِ لَكِنْ الْأَصْحَابُ قَيَّدُوا ذلك بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا في مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَأَمْصَارِهَا وَالْمَنْقُولُ عن أَحْمَدَ إذَا أَحْرَمَ من مِصْرِهِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حتى يَبْرُزَ. فَيَكُونُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ مُقَيَّدًا بِذَلِكَ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ لَا يُلَبِّي بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ لِعَدَمِ نَقْلِهِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال.
فائدتان: إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ وَالدُّعَاءُ بَعْدَهَا. يَعْنِي يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بَعْدَ التَّلْبِيَةِ بِلَا نِزَاعٍ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا بَعْدَهَا الصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم. الثَّانِيَةُ لَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ التَّلْبِيَةِ في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وقال له الْأَثْرَمُ ماشىء [ما] يَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ يُكَبِّرُونَ دُبُرَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا فَتَبَسَّمَ وقال لَا أَدْرِي من أَيْنَ جاؤوا [جاءوا] بِهِ قُلْت أَلَيْسَ يُجْزِيهِ مَرَّةٌ قال بَلَى لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ التَّلْبِيَةُ مُطْلَقًا. وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهَا في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِتَلْبِيَتِهِ بِالْعِبَادَةِ. وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ تَكْرَارُهُ ثَلَاثًا حَسَنٌ فإن اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ. وقال في الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال. قَوْلُهُ وَيُلَبِّي إذَا عَلَا نَشْزًا أو هَبَطَ وَادِيًا وفي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ لمكتوبات [المكتوبات] وَإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وإذا الْتَقَتْ الرِّفَاقُ. بِلَا نِزَاعٍ وَيُلَبِّي أَيْضًا إذَا سمع مُلَبِّيًا أو أتى مَحْظُورًا نَاسِيًا أو رَكِبَ دَابَّةً. زَادَ في الرِّعَايَةِ أو نَزَلَ عنها وزاد في الْمُسْتَوْعِبِ وإذا رَأَى الْبَيْتَ. قَوْلُهُ وَلَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ إلَّا بِمِقْدَارِ ما تَسْمَعُ رَفِيقَتُهَا. السُّنَّةُ أَنْ لَا تَرْفَعَ صَوْتَهَا حَكَاه ابن المنذر إجْمَاعًا وَيُكْرَهُ جَهْرُهَا بها أَكْثَرَ من إسْمَاعِ رَفِيقَتِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَمَنَعَهَا في الْوَاضِحِ من ذلك وَمِنْ أَذَانٍ أَيْضًا هذا الْحُكْمُ إذَا قُلْنَا إنَّ صَوْتَهَا ليس بِعَوْرَةٍ. وَإِنْ قُلْنَا هو عَوْرَةٌ فَإِنَّهَا تُمْنَعُ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أنها تَقْتَصِرُ على إسْمَاعِ نَفْسِهَا قال في الْفُرُوعِ وهو مُتَّجَهٌ وفي كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفِ وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَجَمَاعَةٍ لَا تَجْهَرُ إلَّا بِقَدْرِ ما تَسْمَعُ رَفِيقَتُهَا.
فوائد: الْأُولَى لَا تُشْرَعُ التَّلْبِيَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يَقْدِرُ عليها قَالَهُ الْأَصْحَابُ . الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ نُسُكَهُ في التَّلْبِيَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَنَصَرَاهُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ. وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَأَطْلَقَهَا في الْفُرُوعِ. وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ ذِكْرُهُ فيها أَوَّلَ مَرَّةٍ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. وَحَيْثُ ذَكَرَهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَارِنِ ذِكْرُ الْعُمْرَةِ قبل الْحَجِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه فيقول لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عليه. وقال الْآجُرِّيُّ يَذْكُرُ الْحَجَّ قبل الْعُمْرَةِ فيقول لَبَّيْكَ حَجًّا وَعُمْرَةً. الثَّالِثَةُ لَا بَأْسَ بِالتَّلْبِيَةِ في طَوَافِ الْقُدُومِ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ. وَحَكَى الْمُصَنِّفُ عن أبي الْخَطَّابِ لَا يُلَبِّي لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِذِكْرٍ يَخُصُّهُ. فَعَلَى الْأَوَّلِ قال الْأَصْحَابُ لَا يُظْهِرُ التَّلْبِيَةَ في طَوَافِ الْقُدُومِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ لَا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا فيه. وَمَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي يُكْرَهُ إظْهَارُهَا فيه وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ وَجْهًا يُسَنُّ إظْهَارُهَا فيه. وَأَمَّا في السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ فقال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ وهو مُرَادُ أَصْحَابِنَا. الرَّابِعَةُ لَا بَأْسَ أَنْ يُلَبِّيَ الْحَلَالُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يُكْرَهُ لِعَدَمِ نَقْلِهِ. قال وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْكَلَامَ في أَثْنَاءِ التَّلْبِيَةِ وَمُخَاطَبَتَهُ حتى بِسَلَامٍ وَرَدَّهُ منه كَالْأَذَانِ انْتَهَى. قُلْت قال في الْمُذْهَبِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فَإِنْ سُلِّمَ عليه رَدَّ وَبَنَى.
تنبيه: هذه أَحْكَامُ فِعْلِ التَّلْبِيَةِ أَمَّا وَقْتُ قَطْعِهَا فَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ فَلْيُعَاوِدْ. قَوْلُهُ: وَهِيَ تِسْعَةٌ حَلْقُ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ. يُمْنَعُ من إزَالَةِ الشَّعْرِ إجْمَاعًا وَسَوَاءٌ كان من الرَّأْسِ أو غَيْرِهِ من أَجْزَاءِ الْبَدَنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وقال في الْمُبْهِجِ إنْ أَزَالَ شَعْرَ الْأَنْفِ لم يَلْزَمْهُ دَمٌ لِعَدَمِ التَّرَفُّهِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ خلافة وهو أَظْهَرُ. وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً أَنَّ تَقْلِيمَ الْأَظَافِرِ كَحَلْقِ الشَّعْرِ وَحَكَاه ابن المنذر إجْمَاعًا. وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا لَا شَيْءَ في تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ. رِوَايَةً لَا شَيْءَ فيها قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عن أَحْمَدَ ولم أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ. وَعِبَارَتُهُ في الْمُغْنِي في بَابِ الْفِدْيَةِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ على أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ من أَخْذِ أَظْفَارِهِ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِأَخْذِهَا في قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ حَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وروى عن عَطَاءٍ وَعَنْهُ لَا فِدْيَةَ عليه لِأَنَّ الشَّرْعَ لم يَرِدْ فيه فِدْيَةٌ انْتَهَى. هذا لَفْظُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَنْهُ يَعُودُ إلَى عَطَاءٍ لَا إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِأَنَّهُ لم يَتَقَدَّمْ له ذِكْرٌ نَبَّهَ على ذلك ابن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِيهِ وهو كما قال. قَوْلُهُ فَمَنْ حَلَقَ أو قَلَّمَ ثَلَاثَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ. هذا الْمَذْهَبُ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَنَصَرَهُ هو وَأَصْحَابُهُ وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا في أَرْبَعِ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا. نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهِيَ الْأَشْهَرُ عنه وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَذَكَرَ ابن أبي مُوسَى رِوَايَةً لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا في خَمْسٍ فَصَاعِدًا وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في التنبيه. قال في الْفُرُوعِ وَلَا وَجْهَ لها قال الزَّرْكَشِيُّ وَهِيَ أَضْعَفُهَا وَأَطْلَقَهُنَّ في التَّلْخِيصِ. وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا فِيمَا يُمَاطُ بِهِ الْأَذَى وهو مَذْهَبُ مَالِكٍ. قال في الْفَائِقِ وَالْمُخْتَارُ تَعَلُّقُ الدَّمِ بِمِقْدَارِ تَرَفُّهِهِ بِإِزَالَتِهِ. قَوْلُهُ وَفِيمَا دُونَ ذلك في كل وَاحِدٍ مُدٌّ من طَعَامٍ. هذا الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ وهو الْمَذْهَبُ. عِنْدَ الْأَصْحَابِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وهو الذي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ من الرِّوَايَاتِ وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وابن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى. وَعَنْهُ قَبْضَةٌ. لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فيه من الشَّارِعِ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على أَنَّ الْمُرَادَ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ. وَعَنْهُ دِرْهَمٌ وَعَنْهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَعَنْهُ دِرْهَمٌ أو نِصْفُهُ. ذَكَرَهَا أَصْحَابُ الْقَاضِي وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي من لَيَالِي مِنًى وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَلْزَمُ على تَخْرِيجِ الْقَاضِي أَنْ يَخْرُجَ أَنْ لَا شَيْءَ عليه وَأَنْ يَجِبَ دَمٌ كما جاء ذلك في لَيَالِي مِنًى. وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا يَلْزَمُهُ في كل شَعْرَةٍ أو ظُفُرٍ ثُلُثُ دَمٍ وما هو بِبَعِيدٍ. قَوْلُهُ وَإِنْ حُلِقَ رَأْسُهُ بِإِذْنِهِ فَالْفِدْيَةُ عليه. يَعْنِي على الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ وَلَا شَيْءَ على الْحَالِقِ وهذا [هذا] الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وفي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ أَنَّ الضَّمَانَ على الْحَالِقِ إذَا كان مُحْرِمًا كَشَعْرِ الصَّيْدِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال.
فائدة: لو حُلِقَ رَأْسُهُ وهو سَاكِتٌ ولم يَنْهَهُ فَقِيلَ الْفِدْيَةُ على الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ كَوَدِيعَةٍ صَحَّحَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ الْكَافِي. قُلْت وهو الصَّوَابُ وهو ظَاهِرُ الْمُنَوِّرِ. وَقِيلَ على الْحَالِقِ كَإِتْلَافِهِ مَالَهُ وهو سَاكِتٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ وَإِنْ كان مُكْرَهًا أو نَائِمًا فَالْفِدْيَةُ على الْحَالِقِ. هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ على الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ وَذَكَرَ في الْإِرْشَادِ وَجْهًا أَنَّ الْقَرَارَ على الْحَالِقِ. وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عليه. وَيَأْتِي إذَا أُكْرِهَ على الْحَلْقِ وَحَلَقَ بِنَفْسِهِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ الْفِدْيَةِ. قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حَلَالٍ فَلَا فِدْيَةَ عليه. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وفي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ يَجِبُ الضَّمَانُ على الْمُحْرِمِ الْحَالِقِ.
فائدة: لو طَيَّبَ غَيْرَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَالِقِ على ما تَقَدَّمَ من الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ. قُلْت لو قِيلَ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ على الْمُطَيِّبِ الْمُحْرِمِ لَكَانَ مُتَّجَهًا لِأَنَّهُ في الْغَالِبِ لَا يَسْلَمُ من الرَّائِحَةِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ وفي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أو أَلْبَسَ غَيْرَهُ فَكَالْحَالِقِ. قَوْلُهُ وَقَطْعُ الشَّعْرِ وَنَتْفُهُ كَحَلْقِهِ. وَكَذَا قَطْعُ بَعْضِ الظُّفُرِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَخَرَّجَ ابن عَقِيلٍ وَجْهًا يَجِبُ عليه بِنِسْبَتِهِ كَأُنْمُلَةِ إصْبَعٍ وما هو بِبَعِيدٍ وَجَزَمَ بِه ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ وهو احْتِمَالٌ لِأَبِي حَكِيمٍ ذَكَرَهُ عنه في الْمُسْتَوْعِبِ وَذَكَرَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ قَوْلًا. قَوْلُهُ وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَاحِدٌ. هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وقال هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْهَادِي وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمٌ مُنْفَرِدٌ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي. وبن عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْفُرُوعِ. وقال في الْمُبْهِجِ إنْ أَزَالَ شَعْرَ الْأَنْفِ لم يَلْزَمْهُ دَمٌ لِعَدَمِ التَّرَفُّهِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال قال وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافُهُ وهو أَظْهَرُ. وَتَظْهَرُ فائدة: الرِّوَايَتَيْنِ لو قَطَعَ من رَأْسِهِ شَعْرَتَيْنِ وَمِنْ بَدَنِهِ شَعْرَتَيْنِ فَيَجِبُ الدَّمُ على الْمَذْهَبِ وَلَا يَجِبُ على الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ.
فائدة: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لو لَبِسَ أو تَطَيَّبَ في رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ أَنَّ فيه الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَالْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ أَنَّ عليه فِدْيَةً وَاحِدَةً وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وأبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمْ وهو الْمَذْهَبُ. وَذَكَرَ ابن أبي مُوسَى الرِّوَايَتَيْنِ في اللُّبْسِ وَتَبِعَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَا أَنَّ عليه فِدْيَةً وَاحِدَةً. قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَ في عَيْنَيْهِ شَعْرٌ فَقَلَعَهُ أو نَزَلَ شَعْرُهُ فَغَطَّى عَيْنَيْهِ فَقَصَّهُ أو انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَقَصَّهُ. يَعْنِي قَصَّ ما احْتَاجَ إلَى قَصِّهِ. أو قَطَعَ جِلْدًا عليه شَعْرٌ فَلَا فِدْيَةَ عليه. وَكَذَا لو افْتَصَدَ فَزَالَ الشَّعْرُ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُضْمَنُ أو حَجَمَ أو احْتَجَمَ ولم يَقْطَعْ شَعْرًا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ في الْفَصْدِ مِثْلُهُ. وَالْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عليه بِفِعْلِ شَيْءٍ من ذلك. وقال الْآجُرِّيُّ إنْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَآذَاهُ قَطَعَهُ وَفَدَى.
|